الريادة في مواجهة التغيير
الريادة في مواجهة التغيير
وصل معدل التغيير العالمي إلى أعلى مستوياته اليوم متجاوزًا كل المعدلات السابقة، وذلك في ظل التطور المتسارع للمعرفة والناجم عن التفاعل والتواصل المستمرين عبر شبكة الإنترنت ومختلف وسائل التواصل التكنولوجية المستخدمة حاليًا. في بدايات القرن العشرين، كانت آفاق المعارف تتضاعف كل 100 عام تقريبًا، وبحلول عام 1945، كانت المعرفة تزيد انتشارًا كل 25 عامًا. أما اليوم، تتضاعف المعرفة مرة كل 18 شهرًا. وبمعنى آخر، فإن التمسك بمنظور ثابت عن المعرفة دون محاولة مواكبة العصر وتغيير الأولويات بناءً عليها، يعد خطأً فادحًا.
وكما قال بيتر دراكر، الخبير المعروف في مجال الإدارة: “الطريقة الوحيدة للتنبؤ بالمستقبل هو أن يكون لديك القدرة على صنعه.”
ولعل من أهم الصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر لدى الشباب في عصرنا الحالي هو البقاء على تواصل مع كل ما هو جديد. ولتحقيق ذلك، من الضروري التمتع بقابلية عالية للتكيف مع التغيير، بل وخلقه أيضًا. ومن هنا، فإن الوظائف التي تضع الشباب بشكل متواصل أمام تحديات مختلفة وفرص تعلم متنوعة، تكون قادرة على إكسابهم مهارات حيوية تصبح لهم عونًا في مواجهة العالم الديناميكي متسارع الخطى وسريع التطور الذي نعيشه اليوم. ومن المؤكد أن امتلاك القدرة على التعامل بحيوية واستباقية مع التغيير ومحاولة صنعه، سيعود بفائدة جمة على الشباب على المدى البعيد، وسيسلحّهم بمهارات ضرورية، إذ لم تعد اليوم الشهادات العلمية التي تحصل عليها خلال سنوات الدراسة المدرسية والجامعية هي الأهم، بل الأهم هو قدرتك على مواصلة التعلم والتطبيق.
وإلى جانب كونها مسارًا مهنيًا مرغوبًا أو خيارًا حياتيًا دارجًا في الوقت الحالي، تعد الريادة اليوم مهارة حياتية لا غنى عنها ولا يمكن اكتسابها والحصول عليها من خلال الوظائف التقليدية الرتيبة. وبالرغم من أنها مرتكزة على مجموعة من المهارات الأساسية الجوهرية، إلا أن كيفية تطبيق وتنفيذ هذه المهارات هي طريقة دائمة التغير والتطور وتعتمد بشكل أساسي على سوق العمل الذي يتصف بكونه مفعمًا بالقوة والحيوية، ناهيك عن التنافسية الشديدة التي يشهدها. وتوفر الريادة بيئة تعلم ديناميكية ومباشرة حيث يواجه الرياديون وموظفو الشركات الناشئة فيها تحديات مختلفة متعددة الأبعاد، خاصة خلال المراحل الأولية من نشأة هذه الشركات. وبالتالي، سيجد هؤلاء الريادييون أنفسهم مجبرين على تجربة، وتشخيص، وتطبيق، وفي بعض الأحيان، تعلّم معارف جديدة للتغلب على التحديات المذكورة. والنتيجة بعد خوض كل هذه التجارب واكتساب المهارات الحياتية الضرورية: شباب مرن وقابل للتكيف، قادر على تقييم، وفهم، وتحديد، ومواجهة التغييرات المتواصلة والمتنوعة بكل قوة وكفاءة.